الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»
.تفسير الآية رقم (147): {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)}{وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وانصرنا عَلَى القوم الكافرين} أي وما كان قولهم مع ثباتهم وقوتهم في الدين وكونهم ربانيين إلا هذا القول، وهو إضافة الذنوب والإِسراف إلى أنفسهم هضماً لها وإضافة لما أصابهم إلى سوء أعمالها والاستغفار عنها، ثم طلب التثبيت في مواطن الحرب والنصر على العدو ليكون عن خضوع وطهارة، فيكون أقرب إلى الإجابة، وإنما جعل قولهم خيراً لأن أن قالوا أعرف لدلالته على جهة النسبة وزمان الحدث..تفسير الآية رقم (148): {فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)}{فآتاهم الله ثَوَابَ الدنيا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخرة والله يُحِبُّ المحسنين} فأتاهم الله بسبب الاستغفار واللجأ إلى الله النصر والغنيمة والعز وحسن الذكر في الدنيا، والجنة والنعيم في الآخرة، وخص ثوابها بالحسن إشعاراً بفضله وأنه المعتد به عند الله..تفسير الآية رقم (149): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149)}{يا أيها الذين ءَامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ الذين كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ} أي إلى الكفر. {على أعقابكم فَتَنقَلِبُواْ خاسرين} نزلت في قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة: ارجعوا إلى دينكم وإخوانكم ولو كان محمد نبياً لما قتل. وقيل أن تستكينوا لأبي سفيان وأشياعه وتستأمنوهم يردوكم إلى دينهم. وقيل عام في مطاوعة الكفرة والنزول على حكمهم فإنه يستجر إلى موافقتهم..تفسير الآية رقم (150): {بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)}{بَلِ الله مولاكم} ناصركم. وقرئ بالنصب على تقدير بل أطيعوا الله مولاكم. {وَهُوَ خَيْرُ الناصرين} فاستغنوا به عن ولاية غيره ونصره..تفسير الآية رقم (151): {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)}{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب} يريد ما قذف في قلوبهم من الخوف يوم أحد حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب، ونادى أبو سفيان يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت فقال عليه الصلاة والسلام: «إن شاء الله» وقيل لما رجعوا وكانوا ببعض الطريق ندموا وعزموا أن يعودوا عليهم ليستأصلوهم، فألقى الله الرعب في قلوبهم. وقرأ ابن عامر والكسائي ويعقوب بالضم على الأصل في كل القرآن {بِمَا أَشْرَكُواْ بالله} بسبب إشراكهم به. {مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا} أي آلهة ليس على إشراكها حجة ولم ينزل عليهم به سلطاناً وهو كقوله:وأصل السلطنة القوة ومنه السليط لقوة اشتعاله والسلاطة لحدة اللسان. {وَمَأْوَاهُمُ النار وَبِئْسَ مثوى الظالمين} أي مثواهم، فوضع الظاهر موضع المضمر للتغليظ والتعليل. .تفسير الآية رقم (152): {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)}{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ} أي وعده إياكم بالنصر بشرط التقوى والصبر، وكان كذلك حتى خالف الرماة فإن المشركين لما أقبلوا جعل الرماة يرشقونهم بالنبل والباقون يضربونهم بالسيف حتى انهزموا والمسلمون على آثارهم. {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} تقتلونهم، من حسه إذا أبطل حسه. {حتى إِذَا فَشِلْتُمْ} جبنتم وضعف رأيكم، أو ملتم إلى الغنيمة فإن الحرص من ضعف العقل. {وتنازعتم فِي الأمر} يعني اختلاف الرماة حين انهزم المشركون فقال بعضهم فما موقفنا ها هنا، وقال آخرون لا نخالف أمر الرسول فثبت مكانه أميرهم في نفر دون العشرة ونفر الباقون للنهب وهو المعني بقوله: {وَعَصَيْتُمْ مّن بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ} من الظفر والغنيمة وانهزام العدو، وجواب إذا محذوف وهو امتحنكم، {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا} وهم التاركون المركز للغنيمة. {وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخرة} وهم الثابتون محافظة على أمر الرسول عليه السلام. {ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ} ثم كفكم عنهم حتى حالت الحال فغلبوكم. {لِيَبْتَلِيَكُمْ} على المصائب ويمتحن ثباتكم على الإِيمان عندها. {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} تفضلاً ولما علم من ندمكم على المخالفة. {والله ذُو فَضْلٍ عَلَى المؤمنين} يتفضل عليهم بالعفو، أو في الأحوال كلها سواء أديل لهم أو عليهم إذ الابتلاء أيضاً رحمة..تفسير الآية رقم (153): {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)}{إِذْ تُصْعِدُونَ} متعلق بصرفكم، أو ليبتليكم أو بمقدر كاذكروا. والإِصعاد الذهاب والإِبعاد في الأرض يقال: أصعدنا من مكة إلى المدينة. {وَلاَ تَلْوُونَ على أحَدٍ} لا يقف أحد لأحد ولا ينتظره. {والرسول يَدْعُوكُمْ} كان يقول إليَّ عباد الله أنا رسول الله من يكر فله الجنة. {فِي أُخْرَاكُمْ} في ساقتكم أو جماعتكم الأخرى {فأثابكم غَمّاً بِغَمّ} عطف على صرفكم، والمعنى فجازاكم الله عن فشلكم وعصيانكم غماً متصلاً بغم، من الاغتمام بالقتل والجرح وظفر المشركين والإِرجاف بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، أو فجازاكم غماً بسبب غم أذقتموه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعصيانكم له. {لّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ على مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أصابكم} لتتمرنوا على الصبر في الشدائد فلا تحزنوا فيما بعد على نفع فائت ولا ضر لاحق. وقيل: {لا} مزيدة والمعنى لتأسفوا على ما فاتكم من الظفر والغنيمة وعلى ما أصابكم من الجرح والهزيمة عقوبة لكم. وقيل الضمير في فأثابكم للرسول صلى الله عليه وسلم أي فآساكم في الاغتمام فاغتم بما نزل عليكم، كما اغتممتم بما نزل عليه ولم يثر بكم على عصيانكم تسلية لكم كيلا تحزنوا على ما فاتكم من النصر ولا على ما أصابكم من الهزيمة {والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} عليم بأعمالكم وبما قصدتم بها..تفسير الآية رقم (154): {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)}{ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّن بَعْدِ الغم أَمَنَةً نُّعَاساً} أنزل الله عليكم الأمن حتى أخذكم النعاس، وعن أبي طلحة غشينا النعاس في المصاف حتى كان السيف يسقط من يد أحدنا فيأخذه، ثم يسقط فيأخذه. والأمنة الأمن نصب على المفعول ونعاساً بدل منها أو هو المفعول، و{أَمَنَةً} حال منه متقدمة أو مفعول له أو حال من المخاطبين بمعنى ذوي أمنة أو على أنه جمع آمن كبار وبررة. وقرئ: {أَمَنَةً} بسكون الميم كأنها المرة في الإمر {يغشى طَائِفَةً مّنْكُمْ} أي النعاس وقرأ حمزة والكسائي بالتاء ردا على الأمنة والطائفة المؤمنون حقاً. {وَطَائِفَةٌ} هم المنافقون. {قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} أوقعتهم أنفسهم في الهموم، أو ما يهمهم إلا هم أنفسهم وطلب خلاصها. {يَظُنُّونَ بالله غَيْرَ الحق ظَنَّ الجاهلية} صفة أخرى لطائفة أو حال أو استئناف على وجه البيان لما قبله، وغير الحق نصب على المصدر أي: يظنون بالله غير الظن الحق الذي يحق أن يظن به، و{ظَنَّ الجاهلية} بدله وهو الظن المختص بالملة الجاهلية وأهلها. {يَقُولُونَ} أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بدل من يظنون. {هَل لَّنَا مِنَ الأمر مِن شَيْء} هل لنا مما أمر الله ووعد من النصر والظفر نصيب قط. وقيل: أخبر ابن أبي بقتل بني الخزرج فقال ذلك، والمعنى إنا منعنا تدبير أنفسنا وتصريفها باختيارنا، فلم يبق لنا من الأمر شيء أو هل يزول عنا هذا القهر فيكون لنا من الأمر شيء {قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للَّهِ} أي الغلبة الحقيقية لله تعالى ولأوليائه فإن حزب الله هم الغالبون، أو القضاء له يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو اعتراض. وقرأ أبو عمرو ويعقوب كله بالرفع على الابتداء. {يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ} حال من الضمير يقولون أي يقولون مظهرين إنهم مسترشدون طالبون النصر مبطلين الإِنكار والتكذيب. {يَقُولُونَ} أي في أنفسهم وإذا خلا بعضهم إلى بعض، وهو بدل من يخفون أو استئناف على وجه البيان له. {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شَيْء} كما وعد محمد أو زعم أن الأمر كله لله ولأوليائه، أو لو كان لنا اختيار وتدبير ولم نبرح كما كان ابن أبي وغيره. {مَّا قُتِلْنَا هاهنا} لما غلبنا، أو لما قتل من قتل منا في هذه المعركة. {قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الذين كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتل إلى مَضَاجِعِهِمْ} أي لخرج الذين قدر الله عليهم القتل وكتبه في اللوح المحفوظ إلى مصارعهم ولم تنفعهم الإِقامة بالمدينة ولم ينج منهم أحد، فإنه قدر الأمور ودبرها في سابق قضائه لا معقب لحكمه. {وَلِيَبْتَلِيَ الله مَا فِي صُدُورِكُمْ} وليمتحن ما في صدوركم ويظهر سرائرها من الإِخلاص والنفاق، وهو علة فعل محذوف أي وفعل ذلك ليبتلي أو عطف على محذوف أي لبرز لنفاذ القضاء أو لمصالح جمة وللابتلاء، أو على لكيلا تحزنوا. {وَلِيُمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} وليكشفه ويميزه أو يخلصه من الوساوس. {والله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بخفياتها قبل إظهارها، وفيه وعد ووعيد وتنبيه على أنه غني عن الابتلاء وإنما فعل ذلك لتمرين المؤمنين وإظهار حال المنافقين..تفسير الآية رقم (155): {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)}{إِنَّ الذين تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ التقى الجمعان إِنَّمَا استزلهم الشيطان بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ} يعني إن الذين انهزموا يوم أحد إنما كان السبب في انهزامهم أن الشيطان طلب منهم الزلل فأطاعوه واقترفوا ذنوباً لمخالفة النبي صلى الله عليه وسلم بترك المركز، والحرص على الغنيمة أو الحياة فمنعوا التأييد وقوة القلب. وقيل استزلال الشيطان توليهم وذلك بسبب ذنوب تقدمت لهم فإن المعاصي يجر بعضها بعضاً كالطاعة. وقيل استزلهم بذكر ذنوب سلفت منهم فكرهوا القتال قبل إخلاص التوبة والخروج من المظلمة. {وَلَقَدْ عَفَا الله عَنْهُمْ} لتوبتهم واعتذارهم. {أَنَّ الله غَفُورٌ} للذنوب {حَلِيمٌ} لا يعاجل بعقوبة الذنب كي يتوب..تفسير الآية رقم (156): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)}{يأَيُّهَا الذين ءَامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين كَفَرُواْ} يعني المنافقين. {وَقَالُواْ لإخوانهم} لأجلهم وفيهم، ومعنى إخوتهم اتفاقهم في النسب أو المذهب {إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأرض} إذا سافروا فيها وأبعدوا للتجارة أو غيرها، وكان حقه إذ لقوله قالوا لكنه جاء على حكاية الحال الماضية {أَوْ كَانُواْ غُزّىً} جمع غاز كعاف وعفَّى. {لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ} مفعول قالوا وهو يدل على إن إخوانهم لم يكونوا مخاطبين به. {لِيَجْعَلَ الله ذلك حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} متعلق ب {قَالُواْ} على إن اللام لام العاقبة مثلها في ليكون لهم عدواً وحزناً، أو لا تكونوا أي لا تكونوا مثلهم في النطق بذلك القول والاعتقاد ليجعله حسرة في قلوبهم خاصة، فذلك إشارة إلى ما دل عليه قولهم من الاعتقاد. وقيل إلى ما دل عليه النهي أي لا تكونوا مثلهم ليجعل الله انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم، فإن مخالفتهم ومضادتهم مما يغمهم. {والله يُحْييِ وَيُمِيتُ} رداً لقولهم أي هو المؤثر في الحياة والممات لا الإِقامة والسفر فإنه تعالى قد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم والقاعد. {والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} تهديد للمؤمنين على أن يماثلوهم. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء على أنه وعيد للذين كفروا..تفسير الآيات (157- 162): {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162)}{وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ الله أَوْ مُتُّمْ} أي متم في سبيله وقرأ نافع وحمزة والكسائي بكسر الميم من مات يمات. {لَمَغْفِرَةٌ مّنَ الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ بِمَا يَجْمَعُونَ} جواب القسم وهو ساد مسد الجزاء والمعنى: إن السفر والغزو ليس مما يجلب الموت ويقدم الأجل وإن وقع ذلك في سبيل الله فما تنالون من المغفرة والرحمة بالموت خير مما تجمعون من الدنيا ومنافعها لو لم تموتوا. وقرأ حفص بالياء.{وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ} أي على أي وجه اتفق هلاككم. {لإِلَى الله تُحْشَرُونَ} لإلى معبودكم الذي توجهتم إليه. وبذلتم مهجكم لوجهه لا إلى غيره لا محالة تحشرون، فيوفي جزاءكم ويعظم ثوابكم. وقرأ نافع وحمزة والكسائي: {مُّتُّمْ} بالكسر.{فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ الله لِنتَ لَهُمْ} أي فبرحمة، وما مزيدة للتأكيد والتنبيه والدلالة على أن لينه لهم ما كان إلا برحمة من الله وهو ربطه على جأشه وتوفيقه للرفق بهم حتى اغتم لهم بعد أن خالفوه. {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً} سيئ الخلق جافياً. {غَلِيظَ القلب} قاسيه. {لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} لتفرقوا عنك ولم يسكنوا إليك. {فاعف عَنْهُمْ} فيما يختص بك. {واستغفر لَهُمُ} فيما لله. {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر} أي في أمر الحرب إذ الكلام فيه، أو فيما يصح أن يشاور فيه استظهاراً برأيهم وتطييباً لنفوسهم وتمهيداً لسنة المشاورة للأمة. {فَإِذَا عَزَمْتَ} فإذا وطنت نفسك على شيء بعد الشورى. {فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} في إمضاء أمرك على ما هو أصلح لك، فإنه لا يعلمه سواه. وقرئ: {فَإِذَا عَزَمْتَ}، على التكلم أي فإذا عزمت لك على شيء وعينته لك فتوكل على الله ولا تشاور فيه أحداً. {إِنَّ الله يُحِبُّ المتوكلين} فينصرهم ويهديهم إلى الصلاح.{إِن يَنصُرْكُمُ الله} كما نصركم يوم بدر. {فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} فلا أحد يغلبكم. {وَإِن يَخْذُلْكُمْ} كما خذلكم يوم أحد. {فَمَن ذَا الذي يَنصُرُكُم مّنْ بَعْدِهِ} من بعد خذلانه، أو من بعد الله بمعنى إذا جاوزتموه فلا ناصر لكم، وهذا تنبيه على المقتضى للتوكل وتحريض على ما يستحق به النصر من الله وتحذير عما يستجلب خذلانه. {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} فليخصوه بالتوكل عليه لما علموا أن لا ناصر لهم سواه وآمنوا به.{وَمَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَغُلَّ} وما صح لنبي أن يخون في الغنائم فإن النبوة تنافي الخيانة، يقال غل شيئاً من المغنم يغل غلولاً وأغل إغلالاً إذا أخذه في خفية والمراد منه: إما براءة الرسول عليه السلام عما اتهم به إذ روي أن قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض المنافقين لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها، أو ظن به الرماة يوم أحد حين تركوا المركز للغنيمة وقالوا نخشى أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئاً فهو له ولا يقسم الغنائم.وإما المبالغة في النهي للرسول صلى الله عليه وسلم على ما روي أنه بعث طلائع، فغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم على من معه ولم يقسم للطلائع فنزلت. فيكون تسمية حرمان بعض المستحقين غلولاً تغليظاً ومبالغة ثانية. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب: {أَنْ يَغُلَّ} على البناء للمفعول والمعنى: وما صح له أن يوجد غالاً أو أن ينسب إلى الغلول. {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة} يأت بالذي غله يحمله على عنقه كما جاء في الحديث أو بما احتمل من وباله وإثمه. {ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} يعني تعطي جزاء ما كسبت وافياً، وكان اللائق بما قبله أن يقال ثم يوفى ما كسبت لكنه عمم الحكم ليكون كالبرهان على المقصود والمبالغة فيه، فإنه إذا كان كل كاسب مجزياً بعمله فالغال مع عظم جرمه بذلك أولى. {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} فلا ينقص ثواب مطيعهم ولا يزاد في عقاب عاصيهم.{أَفَمَنِ اتبع رضوان الله} بالطاعة. {كَمَن بَاء} رجع. {بِسَخْطٍ مّنَ الله} بسبب المعاصي. {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير} الفرق بينه وبين المرجع إن المصير يجب أن يخالف الحالة الأولى ولا كذلك المرجع.
|